top of page
  • سهيل الدراج | صحيفة الجزيرة - العدد 13246

الأسهم والركود.. طريق الشمال - الجنوب


بقيت سوق الأسهم المحلية بعيدة كل البعد عن الجدل الدائر اليوم عن علاقة السوق السعودية بالأسواق العالمية، في وقت كانت تنطلق فيه إلى الأعلى متجاوزة المقاومات الوهمية التي يرسمها المحللون الفنيون، ومكررات الربحية للمحللين الماليين، وقوة الاقتصاد للمحللين الاقتصاديين.. حتى في أسوأ الأوقات وأصعب الظروف التي من شأنها أن تهبط بالأسواق، كانت السوق السعودية تندفع إلى الأعلى بقوة خارقة قوامها أربعة ملايين محفظة مسجلة في سوق الأسهم السعودية. هذه الحقائق جعلت المتداول في سوق الأسهم على قناعة تامة بأن سوقه بعيدة كل البعد عن التوترات العسكرية في المنطقة، والتجاذبات السياسية، والمؤثرات الاقتصادية، والعلاقة بالعالمية.. لكن هبوط السوق في مطلع عام 2006م وحدوث ما عرف بنكسة فبراير التي تلت نكسة مايو 2005م جعل الجميع يستفيق من حلم وردى، ويعلم أن أسواق المال تعرف طريقاً آخر يتجه جنوباً غير الطريق الرئيس الذي لا يتجه إلا شمالاً. حاول المحللون الفنيون رسم نقاط دعم جديدة، لكن كل الدعوم تكسرت، وحاول المحللون الأساسيون وضع مكررات الربحية المنطقية عند20 مرة، لكن الأسواق تجاوزتهم عدة مرات، وحاول المحللون الاقتصاديون الحديث عن قوة الاقتصاد ومتانته؛ لكن القوة الخارقة كانت في قاعات الأسهم تجرف كل من يقف أمامها من المحللين والمتداولين على حد سواء، وحاول من لا يؤمن أصلا بالتحليل أن يربط هذا وذاك بحركة الهوامير وقدرتهم على المناورة، لكن الهوامير كانوا ضحايا أيضا ولم يسلموا من السكين الساقطة Falling Knife. إذا.. آما آن لنا أن ندرك حقيقة هامة، وهى أن صعود السوق السعودية عام 2005م إلى مستوياتها القياسية بالقرب من 21000 نقطة كان حدثا استثنائياً لا يبرره أي منطق، وان الحجم الحقيقي للسوق كان عند مستويات قريبة من 12000 نقطة، وإذا ما اعتبرنا أن ذلك استثناءً فإن الاستثناء لا حكم له.. هبطت أسواق المال الخليجية والسعودية تحديدا إلى مستوياتها الحقيقية قبل الأزمة العالمية، لتستقر بين 9000 و12000 نقطة بين متقبل للواقع الجديد وبين حالم بالوصول إلى المستويات القياسية.. التاريخ يقول: إن مؤشر النازداك ارتفع من 322 نقطة في أوائل عام 1991م ليصل إلى قمته عند 5200 نقطة في منتصف عام 2000م، أي انه ارتفع بمقدار 15 ضعفاً خلال 8 سنوات وهى العصر الذهبي للولايات المتحدة، ثم انفجرت فقاعة التكنولوجيا ليهبط من5200 نقطة إلى 1100 نقطة في أواخر عام 2002م أي انه خسر حوالي 80% خلال سنتين.. لكنه صارع بعدها أكثر من 7 سنوات وبالكاد استطاع الوصول إلى نصف المستويات القياسية ليسجل مستوى 2860 نقطة في الربع الأخير من عام 2007م، وعاد أدراجه من جديد إلى مستويات 1500 نقطة في الوقت الحالي. عام 2008م هو عام الركود الاقتصادي وعام المشاكل المالية العالمية العابرة للقارات، تحول إعصار الأزمة المالية من الولايات المتحدة ليعصف بكل شيء أمامه مخلفا ملايين الضحايا في الولايات المتحدة وأوروبا وإفريقيا واسيا ومنطقة الشرق الأوسط والخليج العربي.. وبدأت آثار هذا الإعصار بالوصول بعد تجمد الائتمان العالمي وإحجام البنوك عن الإقراض، وتفاقمت الأزمة بعد تأثيرها على المستهلك العالمي وفقدانه قوته الشرائية مما أضعف إنفاقه واستهلاكه، وبدأت بوادر الركود الاقتصادي، ومعها بدأ انخفاض الطلب على الطاقة، الأمر الذي دفع بأسعار النفط إلى التهاوي لتنفجر فقاعته أيضا.. ليس هذا كل شيء بل إن الأزمة أثرت في الطلب على المعادن مما أدى إلى تهاوي أسعارها. مع كل هذه التطورات العالمية وكل هذه الأهمية للمملكة في المنظومة العالمية على اعتبار أنها اكبر منتج ومصدر للنفط في العالم، وتحتضن في سوقها المالي شركة سابك ذات الترتيب 227 بين الشركات العالمية الكبرى، إلا أن البعض لا يزال يقف حائرا مشككا بعلاقة الاقتصاد السعودي والشركات السعودية بما يجرى في العالم، وكأننا دولة تعيش في الفضاء..!! وكيف لنا ألا نتأثر واقتصاد المملكة يعتمد على الله ثم النفط، والنفط يقبع عند مستويات 37$ بعد أن وصل إلى القمة 147$ قبل 6 أشهر. سوق الأسهم المحلية تتكون من نوعين من الشركات، النوع الأول شركات لها علاقة بما يجرى في العالم، والنوع الثاني شركات محلية محدودة العلاقة بالعالم.. لكن الشركات المرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بما يجرى في العالم تشكل أكثر من 85% من القيمة السوقية لسوق الأسهم وبالتالي فإنها ستتأثر حتماً وقد تأثرت فعلاً بالأزمة العالمية وتبعاتها، فشركات البتروكيماويات وشركات التصدير تأثرت بانخفاض الطلب العالمي على منتجاتها، في حين تأثرت المؤسسات المالية والبنوك المحلية بحالة السيولة العالمية وأصبحت أكثر تحفظاً من ذي قبل على الإقراض، أما الشركات الجديدة المدرجة في سوق الأسهم فقد تأثرت بتأثر شركائها العالميين وبحالة الإحباط العالمية التي تسيطر على الأسواق، كما تأثرت بضعف التمويل المصاحب لإكمال مشاريعها الضخمة. وبذلك تكون غالبية شركات السوق تأثرت بالركود الاقتصادي العالمي والأزمة المالية العالمية، وهبطت أسعار أسهمها بحدة، وكان ذلك كافياً أن يسحب الشركات المدرجة التي لا علاقة لها بما يجرى في العالم كالشركات الزراعية المحلية مثلاً.. وذلك لأن أسواق الأسهم والشركات المدرجة فيها تتحرك بتناسق صعودا وهبوطاً وخصوصا في أوقات الأزمات والأحداث الساخنة. أما إذا تحدثنا عن نسب الهبوط، فبالتأكيد سنجد تفاوتاً بين هبوط الأسواق الناشئة والأسواق المتقدمة، فعادة ما تصعد الأسواق الناشئة وتهبط بنسب اكبر من الأسواق المتقدمة، وفي هذه الأزمة لا نرى أي تغير في هذا السلوك، فقد هبطت أسواق العالم مجتمعة خلال عام 2008م بمقدار41% وهو الهبوط الأسوأ في التاريخ، أما أسواق العالم مجتمعة بدون الولايات المتحدة فقد هبطت بنسبة 46%، في حين أن الأسواق الناشئة مجتمعة هبطت بنسبة 55%.. أما مؤشر ستاندرد أند بورز الأمريكي فقد سقط بنسبة 41%، وهبط داو جونز الصناعي الأمريكي بـ 43%، وهبط شنغاهاي الصيني بـ 66%، وهبط مؤشر السوق الروسية بـ 72%.. أما السوق السعودية الذي يعتبر واحدا من الأسواق الناشئة فقد هبط في عام 2008م بنسبة 58% بقيادة قطاع البتروكيماويات والمصارف والاستثمار المتعدد والتأمين، فقد خسرت هذه القطاعات نسباً تراوحت بين60% و75% وهى القطاعات التي كانت الأكثر تضرراً عالميا بسبب الركود الاقتصادي وأزمة الائتمان المالي.. في حين أن أقل قطاعات السوق تضرراً كان قطاع الزراعة والصناعات الغذائية؛ فقد خسر حوالي 35% وهو القطاع الذي يعتبر دفاعيا والأقل علاقة بالأسواق العالمية. ولا بد أن نشير إلى نقطة هامة هي أن السوق المحلية كانت قد تأثرت داخلياً بمشاكلها التنظيمية وسن هيئة سوق المال للكثير من التنظيمات والتشريعات التي لم تجد قبولاً من المتداولين، وتبقى أسواق الأسهم هي الأخطر استثمارياً والعادة أن يربح فيها أقل من10% من المتداولين، في حين تخسر البقية، ومن المهم التنبيه إن الهدف من إيجاد أسواق المال هو تسهيل انتقال ملكية الوحدات الاستثمارية، وليس المضاربات العشوائية.. ولاشك أن أسواق المال هي منافسة بين من يعلم ومن لا يعلم، وبين من يمتلك الخبرة ومن يفقدها، وتبقى أسواق المال لعبة يربح فيها طرف ويخسر فيها أطراف كثيرة.


bottom of page