top of page
  • سهيل الدراج | أموال نت

لقد كان في قصصهم عبرة


في الرابع عشر من مايو عام 1607م وصلت طلائع الأوروبيين بقيادة ( جون سميث ) للساحل الشمالي الشرقي لأمريكا الشمالية ، لتنشأ أول مستوطنه على تلك الشواطئ ويطلق عليها اسم فرجينيا نسبة الى ملكة بريطانيا في ذلك الوقت التي عرفت بعذريتها ، حيث أن كلمة Virgin بالإنجليزية تعنى المرآة العذراء .. هذه المستوطنة وهؤلاء المستوطنين الانجليز هم أول الأوروبيين الذين وطأت اقدامهم هذه الأرض بعد اكتشافها من قبل البحار الإيطالي الأصل الإسباني الجنسية كريستوفر كولومبوس في العاشر من أكتوبر عام 1492م ..


توالى بعد ذلك التاريخ وصول المهاجرين الإنجليز بشكل أساسي والمهاجرين الأوربيين بشكل عام الى العالم الجديد الذى اطلق على أمريكا ، لتنشأ ثلاثة عشرة مستعمرة بحلول عام 1733م ، وينشأ مع المستعمرات المجالس النيابية المنتخبـــــة التي كانت تمثـــــل شعب المستعمرات أمام الــــدولة الأم إنجلترا ..


لكن ثورة المستعمرات بقيادة جورج واشنطن عام 1775م ودعم فرنسا لهذا الشاب الذى كان جنديا صغيراً في الجيش الإنجليزي ، كانت إيذانا بانتصار جيش المستعمرات المتواضع على الجيش الإنجليزي القوى ، ومن ثم اعلان جورج واشنطن كأول رئيس للولايات المتحدة الامريكية بعد صياغة الدستور الأمريكي في عام1787م .


عندما وصل المستعمرون الى أمريكا الشمالية قاموا بالسيطرة على الهنود الحمر أو السكان الأصليين الذى عاشوا هناك منذ اكثر من 10.000 عام ، ويقول المؤرخون ان عدد الهنود الحمر في ذلك الوقت كانوا يصلون الى ما يزيد عن 100 مليون انسان ، وقد نال الهنود الحمر في ذلك الوقت قسطاً وافرا من الإبادة الجماعية التي مارسها ضدهم المستوطنون الأوروبيون بعدما عجزوا عن السيطرة عليهم واستعبادهم وتشغيلهم في حقول التبغ التي كانت تتطلب الكثير من الأيدي العاملة ، لتحدث ابشع جرائم الإبادة الجماعية في التاريخ .. فقاموا بتسميم آبار المياه التي يشرب منها السكان الأصليون، وحقنهم بالفيروسات وجراثيم أشد الأمراض فتكاً ، كالطاعون والتيفوئيد والجدري .. كما قاموا بقتل الرجال واستعباد الأطفال والنساء ، ونشطت في تلك الفترة تجارة خطف الأطفال والفتيات وبيعهم في أسواق العبيد .. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد ، فقد أصدرت ولاية كاليفورنيا في عام 1850م قانونا يشرع خطف الهنود الحمر واستعبــادهم ، واجبارهم على القيام بالأعمال الشاقة حتى الموت ، ويذكر بعض المؤرخــــين ان حــوالى 90 مليونا من الهنود الحمر قد تمت ابادتهم ..


لكن كبر مساحة الولايات المتحدة ، وتنامي زراعة المحاصيل في الأراضي الشاسعة دفع تجار الرقيق الى مهاجمة القارة الافريقية وخطف الأطفال والشباب والنساء وجلبهم وبيعهم في أسواق العبيد ، ليكونوا وقوداً لنهضة زراعية وصناعية ولدت من رحمها الأمة الامريكية التى أصبحت فيما بعد تصدح في كل ارجاء الدنيا .. لقد تم ترحيل ما يقارب 40 مليون افريقي حشروا كالماشية في سفن ضخمة وكان لا يصل منهم سوى واحدا من عشرة ، حيث يموت تسعة اشخاص برصاص الغزاة البيض أو جوعاً وعطشاً أو انتحاراً من على ظهر السفن ..


هذا هو المشهد المؤلم الذى قامت عليه حضارة أمة عظيمة ، تستقبل القادمين اليها عبر جزيرة منهاتن بيد تمثال الحرية الذى يرحب بالقادمين الجدد والمهاجرين الى العالم الجديد ، عالم الاحلام الذى يخفى تاريخاً اسوداً ملطخاً بالدماء البشرية .. بقى أصحاب البشرة السوداء عبيداً تمارس ضدهم اقسى صنوف الممارسات العنصرية حتى مع تقدم الولايات المتحدة ودخولها القرن العشرين .. وفى مدينة اتلانتا الامريكية وتحديدا في اليوم الخامـس عشر من ينـاير عام 1929م شــاءت القــدرة الآلهيـة أن تـدب الحيـــاه في وليــــد السيدة (البرت) الذى ولد بعد مخاض عسير وفرحة كبيره للأب كينج بقدوم ابنه مارتن .. لم يكن والدا الطفل يعلمان أن مارتن لوثر كينج سيكون له شأن في التاريخ الأمريكي ، وسيسطر التاريخ سيرته بماء من ذهب ، وستكون ثورته ونضاله سبباً بعد الله في الغاء التفرقة العنصرية ، وسيصبح في يوم من الأيام احد أبناء جلدته رئيساً لتلك الدولة التي طالماً رقصت على جراح وجثث الملايين من الأفارقة السود ..


حصل مارتن لوثر كينج على درجة البكالوريوس في الآداب سنة 1948، ولم يكن عمره قد تجاوز آنذاك 19 عاما، وتزوج عام 1953 من فتاة زنجية ، ثم حصل على الدكتوراه في الفلسفة من جامعة بوسطن .. وبعدها انتقل هو وزوجته الى مدينة مونتجومري التي كانت بداية نضال مارتن ضد العنصرية والاضطهاد التى كان يعانى منها السود خاصة في وسائل المواصلات العامة التي اشتهرت بإهانة مستخدميها من الافارقة ، حيث كانت تخصص لهم المقاعد الخلفية فقط ، وعليه كان من حق السائق أن يأمر الركاب الزنوج بترك مقاعدهم الامامية لنظرائهم البيض .. واستمر الحال إلى أن جاء يوم الخميس الأول من ديسمبر عام 1955 عندما رفضت إحدى السيدات الزنجيات أن تخلي مقعدها لراكب أبيض، فما كان من السائق إلا أن استدعى رجال البوليس الذين ألقوا القبض عليها بتهمة مخالفة القوانين لتكون بداية ثورة السود ..


كادت الثورة ان تتسبب في اراقة الدماء ، لولا تدخل مارتن لوثر كينغ الذى اعتمد مبدأ الاحتجاج السلمى عوضاً عن العنف ، متأثراً بأسلوب المناضل الهندي مهاتما غاندي ، وبدأ السود ثورتهم السلمية بمقاطعة المواصلات العامة التي كان السود يشكلون 70% من إيراداتها ، وتم اعتقال مارتن عدة مرات لأسباب واهية منها دعوته أبناء جلدته الى المقاطعة ، واستمر الاعتقال الى ان تقدمت اربع سيدات من أصول افريقية الى المحكمة الاتحادية في مونتجومري لإلغاء التفرقة العنصرية في وسائل النقل ، وأصدرت المحكمة بعدها حكمها التاريخي الذى منع التفرقة العنصرية ، وعندها فقط طلب مارتن من اتباعه انهاء المقاطعة والعودة لاستخدام وسائل المواصلات العامة ..


وفى يونيو 1957م بدأ مارتن لوثر كينغ بالمطالبة بحقوق السود في الانتخابات وكان عمره انذاك 27 عاماً ، ومن امام نصب ابراهام لينكولن نجح في تسجيل خمسة ملايين امريكي من أصول افريقيه في سجلات الناخبين .. وفى عام 1963م بعد تولى جون كنيدى منصب الرئاسة قام مارتن وانصاره بسلسلة من المظاهرات السلمية في برمنجهام للمطالبة بحقوق السود لتقع مواجهه دموية بين الشرطة والمتظاهرين السود ، ويصدر بعد ذلك حكماً قضائياً بمنع الاحتجاجات والمسيرات والمقاطعة والاعتصام ، ليعلن مارتن عن تحدى المحكمة ويخرج في مسيرة يتقدمها الأطفال ، لتحدث المواجهة مرة أخرى بين الشرطة وكلابها البوليسية المتوحشة وبين المسيرة التي يتقدمها الأطفال ، والتقطت الكاميرات الكلاب البوليسية وهى تنهش الأطفال وانتشرت تلك الصور في العالم كله ، والهبت مشاعر السود في كل انحاء الولايات المتحدة ، واستمرت اعمال العنف بضراوة مما دفع الرئيس الأمريكي جون كنيدي الى اعلان حالة الطوارئ ..


استمرت الثورة وسار اكثر من 250.000 متظاهراً باتجاه نصب لينكولن التذكاري ، وهناك القى الزعيم الأفريقي الأصل الأمريكي المــولد خطبــــــة رائعـــــة عنوانها I have a dream والتي قال فيها ، اننى احلم بان يأتي اليوم الذى يحكم فيه على الناس بأخلاقهم لا بألوان بشرتهم .. وقد حصل مارتن على جائزة نوبل للسلام عام 1964 لتبنيه السلم في حركته النضالية لإنهاء التفرقة العنصرية ضد السود .. وفى الرابع من ابريل عام 1968م اغتالت رصاصات الغدر أحلام القس الأسود مارتن لوثر كينغ ، على يد احد المتعصبين البيض لتسجل نهايته الجسدية ، لكن ثورته بقيت حيه وخالده في قلوب وعقول الملايين من الأمريكيين السود ورمزا للتحرر والانتصار على الذل والتفرقة العنصرية ..


وفى يوم الاثنين التاسع عشر من يناير عام 2009م احتفلت الولايات المتحدة بمرور 45 عاماً على خطبة الحلم الشهيرة التي لم يكتب لهذا القس أن يرى بأم عينه ، كيف يتم تغيير ومسح جزء مهم من التاريخ الأسود الأمريكي ، وكيف تشاء الأقدار ان يكون اليوم التالي لهذه الذكرى هو اليوم العشرين من يناير عام 2009م ، الذى يتم فيه تنصيب أول رئيس للولايات المتحــدة الامريكية من أصول افريقية وذو بشرة سوداء ..


نعم لقد تحقق حلم مارتن لوثر كينغ الذى قاد واحدة من اعظم الثورات في التاريخ ، واليوم يرى العالم احفاده وقد احتلوا مناصب قيادية في الجمهورية الامريكية ، فاليوم نرى باراك أوباما رئيساً لهذه الدولة التى قتلت وعذبت واهانت اجداده ، وبالأمس رأينا كولن باول قائدا للجيش الأمريكي ثم وزيرا للخارجية ، ومثله كوندليزا رايس مستشارة للأمن القومي الأمريكي ثم وزيرة للخارجية أيضا .. ودمتم في رعاية الله ..




bottom of page